تراثنا ـ العدد [ 133 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 133 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٣٢٦

١

تراثنا

صاحب الامتیاز

مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث

المدير المسؤول :

السيّد جواد الشهرستاني

العدد الأوّل [١٣٣]

السنة الرابعة والثلاثون

محتـويات العـدد

* كلمة العدد :

* تحقيق التراث.

................................................................. هيئة التحرير ٧

*النعماني ومصادر الغيبة (٧).

.............................................  السيّد محمّد جواد الشبيري الزنجاني ٩

* لسان الميزان والمصادر الرجالية في المدرسة الإمامية (٢).

....................................................  الشيخ محمّد باقر ملكيّان ٣٦

* علماء الإمامية في بلاد الحرمين في القرن الحادي عشر (٢).

........................................................  وسام عبّاس السبع ١١٢

٢

محرّم ـ ربيع الأوّل

١٤٣٩ هـ

* تراجم علماء البحرين وكتبهم ومكتباتهم في كتاب (الفوائد الطريفة) (١).

............................................ عبد العزيز علي آل عبد العال القطيفي       ١٥١

* دراسات في نسخ واعتبار كتاب (كامل الزيارات) (١).

......................................................... الشيخ محمّد عليّ العريبيّ       ١٩٦

* من ذخائر التراث :

* إرشاد المنصف البصير إلى طريق الجمع بين أخبار التقصير للشيخ عبد السّلام المشغري (المتوفّى بعد ١٠٤٣ هـ).

..............................................  تحقيق : الشيخ حلمي السنان ٢٤٧

* من أنباء التراث.

.............................................................  هيئة التحرير ٣١٢

* صورة الغلاف : نموذج من نسخة (إرشاد المنصف البصير إلى طريق الجمع بين أخبار التقصير للشيخ عبد السلام الشامي العاملي المشغري) والمنشورة في هذا العدد.

٣
٤

٥
٦

كلمة العـدد :

تحقيق التراث

هيئة التحرير

بسم الله الرحمن الرحيم

إنّ إعادة قراءة التراث الموروث وتحقيقه يجب أن يتميّز بمنهجية علمية ، وذلك من خلال الالتزام بالمناهج المتّبعة في علم التحقيق والتي قرّرها كبار المحقّقين في كتبهم وتحقيقاتهم ، ممّن وضع أصولاً علمية للتحقيق ، فأخذ بتجميع كلّ ما تفرّق من التراث ، وتنظيم كلّ ما تجمّع منه ، وتثبيت ما ثبُت صحّته ، ونفي كلّ ما ثبُت زيفه وفساده ، فقاموا بالتمحيص وبالتفحّص والتثبُّت ، فالتحقيق علم وفنّ وصناعة وإبداع وذوق وتذوّق ، ورغبة في التمرّس في معالجة الموروث من النصوص ، واستجابة للهاتف الوجداني للمحقّق ، ولابدّ من وجود دوافع للتحقيق تستدعي تحقيق النصّ وإعادة قراءته ، وأهمّ تلك الدوافع هو أهمّية النصّ وفائدته تراثياً وعلمياً عند أهل الفنّ والصناعة ، وكشف مبهماته وأسراره ، وكشف بعض الحقائق التي يستبطنها النصّ ، أو كشف بعض الحقائق عن المؤلّف واعتقاداته وآرائه ومبانيه ، مضافاً إلى أهمّية النصوص وما تتميّز به من فائدة في أعادة قراءتها وتحقيقها ، فإنّ إعادة قراءة التراث وتحقيقه يستدعي تغليب أسس التحقيق العلمي الممنهج في معالجة النصّ ومشكلاته ، وفتح مغاليقه ومبهماته ، وتذليل صعابه وتحرير كلماته ، وتصحيح أخطائه من التصحيف والتحريف ، والتمييز بين النسخ الصحيحة والسقيمة ، وتقييد الهوامش بكلّ ما يخدم تحقيق النصّ ، وأمّا إعادة تحقيق بعض المتون فلابدّ هناك من دوافع لإعادة

٧

تحقيقها من الوجهة العلمية ، فيجب أن يُراعى فيه الحصول على المزيد من النسخ ، أو أن يكون في التحقيقات السابقة من العيوب ممّا يستوجب الإعادة.

ولابدّ للمحقّق أن يكون مقيّداً بالمنهجية العلمية في التحقيق ، وأن يوفّر للتحقيق مقوّماته التي يجب أن يراعيها فيه ، من الأخذ بنظر الاعتبار الفائدة المتوخّاة من التحقيق ، وعدم التكرار ، وتعدّد النسخ ، والاعتماد على نسخة المؤلّف قدر الإمكان ، أو المنقولة عن خطّ المؤلّف ، أو المقابلة على أصل مقابل على نسخة المؤلّف ، وإلاّ فالأقرب ثمّ الأقرب إلى عهد المؤلّف ، وكون المؤلّف حيّاً في زمن الاستنساخ ، والتثبُّت من صحّة النصّ ، وتوفّر الشروط في النسخة ، وأن يكون المحقّق ملمّاً بالعلم الذي تتناوله النسخة وملمّاً بلغة المتن الذي يقوم بتحقيقه لتلافي الأخطاء التي وقع فيها المحقّقون المستشرقون نتيجة عدم تضلّعهم باللغة العربية ، وأن يكون المحقّق أميناً في نقل المتون والنصوص ، وإحراز كون الناسخ كذلك ملمّاً باللغة التي يستنسخ النسخة منها ، وكون الناسخ معروفاً بالاستنساخ؛ لأنّ ذلك يورث الإطمئنان بالنسخة والاعتماد إليها ، وجمع النسخ المتوفّرة من المتن والمقابلة بينها ، وتثبيت الفروق بين النسخ من دون التمييز بين ما يستدعي الإشارة إليه في المقام أو ممّا لا يستدعي ذلك ، ومن دون التمييز بين ممّا فائدة في الإشارة إليه أو لا فائدة من ذلك ، ومن دون التمييز بين ما يكون من أخطاء النسّاخ وتصحيفاتهم وعدمه ، ولابدّ للمحقّق من الاهتمام بأوصاف النسخ المعتمدة في التحقيق وصفاً يبرز أهمّ ملامح المخطوطة ، والاستفادة في التحقيق من المصادر المعتبرة ، وأن يلاحظ في المصادر الأقدمية ، والحيادية وعدم الجنوح إلى توجيه النصوص بما يملي عليه معتقده ، والاطلاع على ما في أيدي المحقّقين من كتب ورسائل لكي لا يحدث التكرار.

وما ذلك إلاّ غيض من فيض ، ونسأل الله أن يوفّق المهتمّين بالتراث ممّن يسعى إلى الكشف عن أسراره وفتح مغاليقه والغور في مكنوناته.

٨

النعماني ومصادر الغيبة(١)

(٧)

السيّد محمّد جواد الشبيري الزنجاني

بسم الله الرحمن الرحيم

تنويه :

توصّلنا في سلسلة مقالات (النعماني ومصادر الغيبة) إلى دراسة مؤلّفات النعماني ، وبحثنا في تفسير النعماني بالتفصيل ، وخرجنا بنتيجة مفادها : أنّ هذه الرسالة لا يمكن اعتبارها نصّاً روائيّاً. ثمّ تعرّضنا إلى هذا الكتاب بوصفه نصّاً تفسيريّاً ، وبحثنا في الناسخ والمنسوخ فيه. وفي هذا العدد سوف نتحدّث حول المحكم والمتشابه في هذا التفسير ، ومن خلال الإشارة إلى الآية القرآنية الواردة في هذا الخصوص ، وروايات أهل البيت عليهم‌السلام في هامش تلك الآية ، نحاول أن نتناول آراء الكتاب في هذا المجال.

إنّ البحث الثاني من بحوث العلوم القرآنية الذي أعطي حيّزاً كبيراً من

__________________

(١) تعريب : السيّد حسن علي مطر الهاشمي.

٩

الشرح والتوضيح في تفسير النعماني هو بحث المحكم والمتشابة. ولتوضيح رؤية هذا التفسير لا مندوحة لنا من ذكر منشأ هذا البحث وبعض المسائل الرئيسة المرتبطة به.

منشأ مصطلح المحكم والمتشابه :

إنّ مصطلح المحكم والمتشابه مقتبس من الآية السابعة من سورة آل عمران ، إذ يقول الله سبحانه وتعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)(١).

لقد شغل بحث المحكم والمتشابه منذ القدم حيّزاً واسعاً وكبيراً من تفكير العلماء. وقد كان شرح مضمون المحكم والمتشابه ، وتعيين مصاديق هذين المصطلحين ، والعمل على رفع الغموض والإبهام عن الآيات المتشابهة ، وبيان المعنى الصحيح للآيات المتشابهة ، وبيان الحكمة من هذه الآيات يعدّ من بين الجهود التي بُذلت في هذا المجال.

إنّ السؤال الذي يتصدّر هذا البحث عادة هو : هل أنّ العلم بالآيات المتشابهة من اختصاص الذات الإلهية فقط ، أو أنّ للراسخين في العلم طريقاً إلى هذا العلم أيضاً ، يُحدِّد أسلوب التعاطي مع الآيات المتشابهة؟ وإنّ الإجابة عن هذا التساؤل ترتبط بكيفية تركيب الآية وتأليفها ؛ فإن كانت عبارة

__________________

(١) آل عمران : ٧.

١٠

(وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) معطوفة على (الله) ، واعتبرنا جملةً (يَقُولُونَ ...) جملة حاليةً ، كان للراسخين في العلم نصيبهم من معرفة الآيات المتشابهة. وأمّا إذا كانت عبارة (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) مبتدأ ، وجملة (يَقُولُونَ ...) خبرها ، وكانت واو العطف تعمل على عطف الجملة الثانية على الجملة الأولى ، أو أنّها كانت واو استئناف ، اقتصر العلم بالآيات المتشابهة على الذات الإلهية فقط. وإنّ انتخاب أيّ واحد من هذين الاحتمالين يعود إلى أسلوب المفسّر ومنهجه في التفسير(١). ونحن نكتفي هنا بالإشارة إلى بعض المسائل المتعلّقة بهذه الآية الشريفة ، ثمّ نلقي نظرة على الأحاديث والروايات الواردة في المحكم والمتشابه ، وفي الختام سيكون لنا شرح لرؤية تفسير النعماني في هذا البحث ، مع مقارنة هذه الرؤية بآراء قدماء المفسّرين.

مسائل مقتبسة من الآية :

١ ـ يبدو من ظاهر هذه الآية أنّ تقسيم الآيات القرآنية إلى محكم ومتشابه هو من الحصر الشمولي ، أي أنّ الآيات القرآنية لا تخرج من كونها من أحد هذين القسمين ، إمّا محكمة أو متشابهة ، وليس هناك من شقّ ثالث.

٢ ـ إنّ هذه الآية تُسمّي الآيات المحكمات بـ : (أمّ الكتاب) ، وإنّ

__________________

(١) إنّ من بين المصادر النافعة في هذا المجال ، مقالة تحت عنوان (آيا تأويل قرآن را فقط خدا ميداند؟) ، بقلم : بهاء الدين خرمشاهي ، قرآن پژوهى ، ص ٧٣٢ ـ ٧٤٥ ؛ وكذلك مقالة (تأويل در دانشنامه جهان اسلام) ، بقلم : حسن طارمي راد ، وخاصّة القسم الرابع تحت عنوان (آگاهى؟ از تأويل قرآن).

١١

المعنى الحقيقي للأمّ على ما يبدو هو ظاهر معنى الأمر الذي نعرفه(١) ، ويبدو أنّ إطلاق لفظ الأمّ على الآيات المحكمات من باب أنّها مرجع لسائر الآيات القرآنية الأخرى ، كما يرجع الأولاد إلى أمّهم ، وترجع جذورهم إليها ، فإنّ الآيات المتشابهات أيضاً تعود إلى الآيات المحكمات ، ويتّضح معناها من خلال الرجوع إلى أمّهاتها.

إلاّ أنّه هل يمكن إرجاع الآيات المتشابهات إلى الآيات المحكمات دون الاستعانة بالقرائن الخارجية؟ أم لابدّ لنا في ذلك من الاستعانة بالقرائن الخارجية من قبيل : الأحاديث المأثورة عن النبيّ الأكرم(صلى الله عليه وآله) والأئمّة من أهل بيته عليهم‌السلام بوصفهم المرجع في تفسير الآيات؟

لا تشتمل هذه الآية على إجابة واضحة وصريحة عن هذا السؤال ، ولكن لو اعتبرنا (الراسخون في العلم) هم العلماء بالتأويل ، كان الرجوع إليهم في تأويل الآيات المتشابهات أمراً طبيعيّاً.

٣ ـ بما أنّ الآيات المتشابهات قابلة للتأويل ، فإنّ الذين في قلوبهم مرض يتّخذونها ذريعة ووسيلة للوصول إلى أهدافهم ومآربهم اللامشروعة.

__________________

(١) جاء في الكثير من كتب اللغة أنّ أحد المعاني الحقيقية لكلمة (الأم) (أو المعنى الحقيقي الوحيد لهذه الكلمة) هو : أصل وأساس الأشياء (انظر مثلاً : كتاب العين ، ج ٨ ، ص ٤٢٦ ؛ تهذيب اللغة ، ج ١٥ ، ص ٦٣١ ـ ٦٣٣ ؛ الصحاح ، ج ٥ ، ص ١٨٦٣ ؛ لسان العرب ، ج ١٢ ، ص ٢٨ و ٣١ و ٣٢ ؛ مجمع البحرين ، ج ٦ ، ص ٩). ولكن لا يبعد أن يكون المعنى الرئيس لهذه المفردة هي الأمّ المعروفة ، وبعد تجريد هذا المعنى من خصوصيّته ، يتبلور معنى الأساس والقاعدة والأصل لهذه المفردة. كما أنّ المسار الطبيعي لوضع الألفاظ يقتضي في بداية الأمر وضعها للمعاني المحسوسة والملموسة ، ثمّ تتّسع شيئاً فشيئاً ليشمل المعاني الانتزاعية والمجرّدة أيضاً.

١٢

وإنّ معنى التأويل هو رجوع الشيء عن حالته التي هو عليها. فإذا كان للآية معنى ظاهري ، فإنّ الرجوع بالآية عن هذا المعنى وتفسيرها بمعنى آخر يُعدُّ من مصاديق التأويل. فلو كانت الآية مجملة ، وتحتمل معنيين أو أكثر ، فإنّ تعيين أحد المعنيين وترجيحه على المعنى أو المعاني الأخرى يكون من مصاديق التأويل أيضاً.

إنّ من الضروري معرفة أنّ التأويل يتعلّق بارتباط الألفاظ بمعانيها ـ بمعنى موارد استعمالها ـ ، أم أنّ تحديد مصاديق المعاني وتقديم تصوير لمفهوم المفردات ـ فوق ما يستفاد من الألفاظ أي يرتبط بدلالة اللفظ على المعنى ـ يدخل في دائرة التأويل أيضاً؟ هذا ما سوف نتحدّث عنه بتفصيل أكثر.

الأمر الذي نريد التأكيد عليه هنا ، هو أنّ تفسير الآية بمعناها الظاهري لا يعتبر تأويلاً على ما يبدو ، حتّى إذا كانت هناك قرائن قطعية تدلّ على أنّ هذا المعنى الظاهري للآية ليس هو مراد الله سبحانه وتعالى ، وبالطبع قد تكون القرائن القطعية من الوضوح بحيث تؤثّر في بلورة ظهور الآية ، من قبيل الآيات التي تتحدّث عن الصفات الإلهية وتثبت لله (يداً) أو (وجهاً) وما إلى ذلك ، فبالالتفات إلى القرينة العقلية القطعية الواضحة القائمة على استحالة أن يكون لله جسم لا يكون لهذه الآيات ظهور في معنى التجسيم ، ولذلك فإنّ المجسمة الذين تمسّكوا بهذه الآيات إنّما صاروا يلتزمون في الحقيقة بالمعنى المخالف لظاهر الآية ، وهذا يدخل في دائرة التأويل ، من هنا يمكن لمثل هذه الآيات أن تدخل في قسم المتشابهات.

١٣

نظرة إلى الروايات ذات الصلة بالآية الشريفة :

إنّ الروايات المأثورة عن النبيّ الأكرم(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته عليهم‌السلام تتعرّض صراحة إلى تفسير هذه الآية أو بعضها ، ومن بينها روايات كثيرة تؤكّد على أنّ الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام هم الراسخون في العلم ، وأنّ أولئك عندهم علم تأويل الكتاب ، كما جاء ذلك في صحيحة الفضيل بن يسار :

«قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن هذه الرواية : (ما من القرآن آية إلاّ ولها ظهر وبطن) ؛ فقال : (ظهره تنزيله وبطنه تأويله ، منه ما قد مضى ، ومنه ما لم يكن(١) ، يجري كما يجري الشمس والقمر ... قال الله : (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)(٢) ، نحن نعلمه»(٣).

وعليه فإنّ حديث التأويل يرتبط ببطن القرآن ، وإنّ العلماء بالتأويل هم الأئمّة عليهم‌السلام. وسوف نتحدّث لاحقاً فيما يتعلّق بالارتباط بين التنزيل والتأويل.

وفي صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «نحن الراسخون في العلم ، ونحن نعلم تأويله»(٤). وفي رواية أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام كذلك

__________________

(١) وفي رواية البصائر ، ج ٢ ، ص ٢٠٣ : (ما لم يجئ) ، وفي رواية تفسير العيّاشي ، ج ١ ، الحديث : ٥ ، ص ١١ : (ما لم يكن بعده) ، ومهما كان فإنّ المراد هو تأويل الآية بعد تنزيلها.

(٢) آل عمران : ٧.

(٣) بصائر الدرجات ، ح ٧ ، ص ١٩٦ ، ومع اختلاف في الألفاظ في ح ٢ ، ص ٢٠٣ ؛ وفي تفسير العيّاشي ، ج ١ ، ح ٥ ، ص ١١ ، والمقطع الأخير من الحديث في تفسير العيّاشي ، ج ١ ، ح ٧ ، ص ١٦٤.

(٤) أصول الكافي ، ج ١ ، ح ١ ، ص ٢١٣ ؛ بصائر الدرجات ، ح ٥ و ٧ ، ص ٢٠٤ ؛ تفسير العيّاشي ، ج ١ ، ح ٨ ، ص ١٦٤.

١٤

روى المقطع الأوّل من الحديث(١).

وفي صحيحة أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه‌السلام هناك تكرار لهذه العبارة : «ونحن الراسخون في العلم»(٢).

وقد تمّ التأكيد على هذا الأمر في رواية أخرى أيضاً(٣) ، ومن هنا فقد

__________________

(١) تأويل الآيات ، ص ٤٢٣ ، نقلاً عن تفسير ابن مهيار.

(٢) أصول الكافي ، ج ١ ، ص ١٨٦ ؛ التهذيب ، ج ٤ ، ح ١ ، ص ١٣٢ ؛ بصائر الدرجات ، ح ١ و ٦ ، ص ٢٠٢ و ٢٠٤ ؛ تفسير العيّاشي ، ج ١ ، ح ١٥٥ ، ص ٢٤٧ ؛ مناقب ابن شهر آشوب ، ج ١ ، ص ٢٨٥ ، وج ٤ ، ص ٢١٥.

(٣) من قبيل : رواية بريد بن معاوية العجلي عن الإمام الباقر عليه‌السلام ، والذي جاء في بعض الروايات بتعبير عن أحدهما (انظر : أصول الكافي ، ج ١ ، ح ٢ ، ص ٢١٣ ؛ بصائر الدرجات ، ح ٤ ، ص ٢٠٣ ، وح ٨ ، ص ٢٠٤ ؛ تفسير العيّاشي ، ج ١ ، ح ٦ ، ص ١٦٤ ؛ تفسير القمّي ، ج ١ ، ص ٩٦ ، مع اختلاف في ألفاظ الحديث والزيادة والنقيصة في هذه المصادر). وجاء هذا النص بسند آخر في بشارة المصطفى ، ص ١٩٣ ، وعلى نحو مرسل عن الإمام الباقر عليه‌السلام في دعائم الإسلام ، ج ١ ، ص ٢٠. وكذلك رواية عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (انظر : الكافي ، ج ١ ، ح ٣ ، ص ٢١٣ ، وأيضاً : ح ١٤ ، ص ٤١٤ ؛ مناقب ابن شهر آشوب ، ج ٤ ، ص ٤٢١. وكذلك رواية الحسن بن عباس بن حريش عن جعفر الثاني ، والذي تمّ تطبيق "الراسخون في العلم" في ضمنها نقلاً عن الإمام الباقر عليه‌السلام على النبيّ والأئمّة (الكافي ، ج ١ ، ص ٢٤٥) ، وكذلك في نقلين في كتاب سُليم بن قيس الهلالي (ص ٧٧١ و ٩٤١) ، وكذلك في رواية الإمام الحسن واحتجاجه على معاوية (الاحتجاج ، ج ٢ ، ص ٦٣) ، وفي رواية أبي القاسم الكوفي (مناقب ابن شهر آشوب ، ج ١ ، ص ٢٨٥) ، وفي رواية أبانة أبي العبّاس الفلكي عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، (مناقب ابن شهر آشوب ، ج ٣ ، ص ٩٨) ، تم تفسير الراسخون في العلم بأمير المؤمنين والأئمّة عليهم‌السلام. وفي رواية الاحتجاج ، ج ١ ، ص ٥٣٦ ، شهد ابن عبّاس في خطابه لأمير المؤمنين أنّ

١٥

تمّ تخصيص باب في الكافي وبصائر الدرجات(١) لهذا الأمر ، وهو أنّ الراسخون في العلم هم الأئمّة عليهم‌السلام.

وفي بعض الروايات اقتباس صريح من الآية الشريفة ، حيث يبدو من هذه الروايات ـ بوضوح ـ أنّ قوله تعالى : (الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) معطوف على (اللهُ)(٢) كما في صحيحة أبي عُبيدة التي جاءت في شأن الآية الأولى من سورة الروم عن الإمام الباقر عليه‌السلام ، أنّه قال : «يا أبا عُبيدة إنّ لهذا تأويلاً لا يعلمه إلاّ الله والراسخون في العلم من آل محمّد»(٣).

وفي قبال هذه الروايات الكثيرة والمعتبرة والتي تدعو إلى الاطمئنان(٤) ، هناك خطبة مروية عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام يمكن أن يستفاد منها أنّ (الراسخون في العلم) لا يعلمون تأويل الكتاب(٥) ، ولكن لا يمكن الركون إلى

__________________

الإمام من الراسخين في العلم. وجاء في الخطبة رقم : ١٤٤ من نهج البلاغة : أَيْنَ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ دُونَنَا ، كَذِباً وَبَغْياً عَلَيْنَا (شرح ابن أبي الحديد ، ج ٩ ، ص ٨٤ ؛ غرر الحكم ، ص ١١٥ ، ٢٠٠١ ؛ مناقب ابن شهر آشوب ، ج ١ ، ص ٢٨٥).

(١) الكافي ، ج ١ ، ص ٢١٣ ؛ بصائر الدرجات ، ص ٢٠٢ ـ ٢٠٤.

(٢) كمال الدين وإتمام النعمة ، ح ٣ ، ص ٦٤٩ ؛ بصائر الدرجات ، ح ٦ ، ص ٥٠٦ ؛ دلائل الإمامة ، ص ٤٧٨ و ٤٨٣ ؛ غيبة النعماني ، ح ١ ، ص ٤١ ، وح ٥ ، ص ٢٥٠.

(٣) الكافي ، ج ٨ ، ص ٢٦٩ و ٣٩٧ ؛ تفسير القمّي ، ج ٢ ، ص ١٥٢ ، تفسير سورة الروم.

(٤) وهناك من هذه الروايات بطبيعة الحال ما هو غير معتبر من الناحية السندية ، إلاّ أنّها بمجموعها تبعث إلى الاطمئنان ، وإنّ بعضها معتبر من الناحية السندية أيضاً.

(٥) نهج البلاغة ، الخطبة رقم : ٩١ ، المعروفة بخطبة الأشباح ؛ شرح ابن أبي الحديد ، ج ٦ ، ص ٤٠٣ ؛ تفسير العيّاشي ، ج ١ ، ح ٥ ، ص ١٦٣ ؛ التوحيد ، ص ٥٣.

١٦

هذه الرواية في قبال تلك الروايات ، والملفت للانتباه في هذه الرواية هو أنّها تفيد أنّ المعنى الظاهري لـ (الراسخون في العلم) هو غير التفسير الموجود في هذا الحديث ، من هنا صارت الرواية بصدد توجيه الآية ، إذ يقول الإمام عليه‌السلام : (وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ هُمُ الَّذِينَ أَغْنَاهُمْ عَنِ اقْتِحَامِ السُّدَدِ الْمَضْرُوبَةِ دُونَ الْغُيُوبِ ، الإِقْرَارُ بِجُمْلَةِ مَا جَهِلُوا تَفْسِيرَهُ مِنَ الْغيْبِ الْمَحْجُوبِ ، فَمَدَحَ الله ـ تَعَالَى ـ اعْتِرَافَهُمْ بِالْعَجْزِ عَنْ تَنَاوُلِ مَا لَمْ يُحِيطُوا بِهِ عِلْماً ، وَسَمَّى تَرْكَهُمُ التَّعَمُّقَ فِيَما لَمْ يُكَلِّفْهُمُ الْبَحْثَ عَنْ كُنْهِهِ رُسُوخاً).

فإن كان المعنى الظاهري للراسخين في العلم مطابقاً لهذه الرواية ، لم تكن هناك من حاجة إلى مثل هذا الشرح والتوضيح بأنّ الله قد وصف ترك هؤلاء الأفراد التعمّق فيما لم يحيطوا به علماً رسوخاً في العلم(١).

وعلى كلّ حال ، فبالنظر إلى الروايات المأثورة عن أهل البيت عليهم‌السلام ، لا يبقى هناك من شكٍّ في أنّ قراءة الوقف على (الله) في هذه الآية الشريفة خاطئة ، ويجب اعتبار (الراسخون في العلم) عطفاً على الله.

* وهناك الكثير من الروايات حول المحكم والمتشابه وتفسير هاتين المفردتين وبيان أحكامهما ، من ذلك موثّقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام يقول فيها :

«سمعته يقول : (إنّ القرآن فيه محكم ومتشابه ، فأمّا المحكم فنؤمن به ،

__________________

(١) وقد روي عن عائشة ما يُشبه هذا الكلام أيضاً (انظر : تفسير الطبري ، ج ٣ ، ص ٢١٤).

١٧

فنعمل به وندين به ، وأمّا المتشابه فنؤمن به ولا نعمل به ، وهو قول الله تبارك وتعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ)»(١)(٢).

وقد نقل جابر الجعفي كذلك هذا النصّ عن الإمام عليه‌السلام (٣).

كما يستفاد من الروايات الكثيرة الأخرى أنّ وظيفة المؤمنين تجاه الآيات المحكمة هو العمل بها ، وتجاه الآيات المتشابهة هو الإيمان بها(٤) ، من ذلك ما ورد في صحيحة هشام بن سالم عن الإمام الصادق عليه‌السلام بعد تقسيم قرّاء القرآن إلى ثلاث مجموعات ، حيث جاء في وصف القرّاء من أهل الجنّة :

__________________

(١) آل عمران : ٧.

(٢) تفسير القمّي ، ج ٢ ، ص ٤٥١ ؛ تفسير العيّاشي ، ج ١ ، ح ٦ ، ص ١١ وح ٤ ، ص ١٦٢. كما نقلت هذه الرواية في بصائر الدرجات ، ح ٣ ، ص ٢٠٣ ، نقلاً عن وهيب ابن حفص عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وبالالتفات إلى سائر الموارد ـ وخاصّة رواية تفسير القمّي ـ وكذلك إكثار وهيب بن حفص الرواية عن أبي بصير ، يبدو سقوط عبارة عن أبي بصير من سندها.

(٣) أصل جعفر بن محمّد بن شريح ، المطبوع ضمن الأصول الستة عشر (ص ٦٦ ، الطبعة المحقّقة ، ص ٢٢٥).

(٤) ١ ـ كما في رواية عن النبيّ الأكرم(صلى الله عليه وآله) ، (الخصال ، ح ٢١٦ ، ص١٦٤ ؛ معدن الجواهر ، ص ٣١). ٢ ـ ورواية عن الإمام الحسن المجتبى عليه‌السلام ، (الاحتجاج ، ج ٢ ، ص ٢٧ ، وقريب من مضمونها في إرشاد القلوب ، ج ١ ، ص ٧٩) ، ص ٧٩). ٣ ـ ودعاء الإمام الصادق عليه‌السلام ، (الكافي ، ج ٢ ، ص ٥٧٤). ٤ ـ ودعاء آخر (مصباح المتهجّد ، ص ٤٥٦ ؛ البلد الأمين ، ص ١١٥) ، وانظر أيضاً : سعد السعود ، ص ٢٢٢ ؛ تفسير العيّاشي ، ج ١ ، ح ٢ ، ص ٩ وح ١٨٥ ، ص ٨٠ ، ج ٢ ، ص ١٦٢ ؛ تفسير القمّي ، ج ١ ، ص ٩٦ ؛ الكافي ، ج ٢ ، ح ١١ ، ص ٦٣٠ ؛ معاني الأخبار ، ح ١ ، ص ١٨٩.

١٨

«إذا قرأ قارئ القرآن فاستتر به تحت برنسه ، فهو يعمل بمحكمه ، ويؤمن بمتشابهه ، ويُقيم فرائضه ، ويحلّ حلاله ويحرّم حرامه»(١).

وفي رواية عن النبيّ الأكرم(صلى الله عليه وآله) أنّه أوجب العمل بالمحكم ، وأمر بترك العمل بالمتشابه(٢) ، ويبدو أنّ المراد من هذه الروايات عدم العمل بالمتشابه ما دام باقياً على هذا الوصف ، وإلاّ فإنّ المتشابه إذا خرج عن دائرة التشابه من خلال تفسير أهل البيت عليهم‌السلام مثلا ، لن يكون مشمولاً لمثل هذا الحكم(٣). وأمّا ما هو المنهج لرفع التشابه عن المتشابهات ، فهو بحث آخر.

فبالرغم من أنّ هذه الروايات ليست بصدد بيان مفهوم المحكم والمتشابه ، وإنّما هي بصدد بيان حكمهما ، ولكن يمكن الاستفادة منها في تفسير المحكم والمتشابه ، ومثال ذلك : أنّنا إذا أخذنا بنظر الاعتبار أنّ الآيات المنسوخة أُمرنا بترك العمل بها ـ فنؤمن بها ولا نعمل بها ـ فتكون بذلك من الآيات المتشابهة ، كما سيأتي توضيح ذلك من خلال توضيح وجهة نظر تفسير النعماني.

أمّا الروايات التي تعرّضت إلى تفسير المحكم والمتشابه بشكل مباشر(٤) ، فإنّها فسّرت المحكم بالآيات التي يتمّ العمل بها ، وقدّمت تفسيرين

__________________

(١) الخصال ، ح ١٦٥ ، ص ١٤٢.

(٢) أمالي الطوسي ، ح ٧٤٣ ، ص ٣٥٧ (مج ١٢ / ٨٢).

(٣) انظر على وجه الخصوص : الاحتجاج ، ج ١ ، ص ١٤٦ ؛ اليقين ، ص ٣٥١ ؛ الإقبال ، ص ٤٥٦ ؛ التحصين ، ص ٥٨٢.

(٤) تفسير العيّاشي ، ج ١ ، ح ١ ، ص ١٠ ، وح ٣ ، ص ١٦٢ ، ح ٧ ؛ وكذلك : ح ٧ ،

١٩

للمتشابه ، أحدهما : (الذي يشبه بعضه بعضاً)(١) ، والآخر : (ما اشتبه على جاهله)(٢).

والتفسير الأوّل يشتمل على شيء من الغموض والإبهام ، والذي يبدو منه أنّ المراد من الآية المتشابهة هي الآية التي يمكن أن يُفهم منها معان مختلفة ، وحيث إنّ كلّ واحد من هذه المعاني يمكنه أن يكون هو المراد من الآية ، تكون مشابهة لبعضها من هذه الناحية ، ولذلك يُطلق على هذه الآية أنّها متشابهة.

وفي التفسير الثاني فسّر التشابه بمعنى الاشتباه ، حيث تمّت الإشارة إلى أنّ معنى الآية المتشابهة هو كونها مشتبهة ومبهمة لمن لا يعلمها ، وهذا التفسير يُثبت أنّ تشابه الآية أمر نسبي ، وإنّ الجاهلين بها هم وحدهم الذين لا يعرفون معنى الآية(٣).

وفي رواية ورد الحديث على لزوم ردّ متشابه القرآن إلى محكمه(٤) ،

__________________

ص ١١ ، ويبدو أنّ تفسير المحكم قد سقط من نصّ الحديث (انظر على وجه الخصوص : ح ٣ ، ص ١٦٢).

(١) المصدر أعلاه ، ج ١ ، ص ١٠.

(٢) المصدر أعلاه ، ج ١ ، ح ٧ ، ص ١١ ، ح ١ ، و ١٦٢.

(٣) من هنا يتمّ تصنيف هذه الرواية في عداد الروايات التي تعتبر الراسخين في العلم هم العلماء الذين يعلمون تأويل متشابهات الكتاب.

(٤) جاء في الكثير من الروايات أنّ المعرفة الكاملة بكتاب الله لا تكون إلاّ عند الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام ، ومن بينها ما روي عن الإمام الباقر عليه‌السلام في خطابه لقتادة حيث قال : (إنّما يعرف القرآن من خوطب به) ، انظر : الكافي ، ج ٨ ، ح ٤٨٥ ، ص ٣١١.

٢٠